فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {وفجَّرْنا} العامَّةُ على التشديد وإنما كان كذلك، وهو نهر واحد مبالغةٌ فيه. وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر بالتخفيفِ وهي قراءةُ الأعمش في سورة القمر، والتشديدُ هناك أظهرُ لقوله: {عيونًا}.
والعامَّةُ على فتحِ هاء نَهَر وأبو السَّمال والفياض بسكونها.
قوله: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: قد تقدَّم الكلامُ فيه في الأنعام مستوفى، وتقدَّم أنَّ الثُّمُرَ بالضم المالُ. فقال ابنُ عباس: جميع المال مِنْ ذهبٍ وفِضَّةٍ وحيوانٍ وغير ذلك. قال النابغة:
3159- مَهْلًا فداءً لك الأقوامُ كلُّهمُ ** وما أُثَمِّرُ مِنْ مالٍ ومِنْ وَلَدِ

وقيل: هو الذهب والفضة خاصةٍ.
وقرأ أبو رجاء {بِثَمْرِه} بفتحة وسكون.
قوله: {وهو يحاوِرُه} جملةٌ حالية مُبَيِّنة إذ لا يَلْزَمُ مِنَ القولِ المحاوَرَةُ؛ إذ المحاوَرَةُ مراجعةُ الكلام مِنْ حار، أي: رَجَعَ، قال تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} [الانشقاق: 14]. وقال امرؤ القيس:
3160- وما المرءُ إلا كالشِّهابِ وضَوئِه ** يَحُوْرُ رَمادًا بعد إذ هُوَ ساطِعُ

ويجوز أَنْ تكونَ حالًا مِنَ الفاعل أو من المفعول.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)}.
قوله: {جَنَّتَهُ}: إنما أفرد بعد ذِكْرِ التثنية اكتفاءً بالواحدِ للعِلْمِ بالحال. قال أبو البقاء: كما اكْتُفِيَ بالواحدِ عن الجمعِ في قولِ الهُذَليّ:
3161- فالعينُ بعدَهُمُ كأنَّ حِداقَها ** سُمِلَتْ بشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ

ولقائلٍ أن يقول: إنما جاز ذلك لأنَّ جمعَ التكسيرِ يجري مَجْرى المؤنثة، فالضمير في سُمِلَتْ وفي فهي يعود على الحِداق لا على حَدَقة واحدة كما تَوَهَّم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لِمَ أَفْرَدَ الجنَّة بعد التثنية؟ قلت: معناه: ودخل ما هو جنتُه، ماله جنةٌ غيرُها، بمعنى: أنَّه ليس له نصيبٌ في الجنة التي وُعِدَ المتقون. فما ملكه في الدنيا هو جَنَّته لا غير، ولم يَقْصِدْ الجنتين ولا واحدةً منهما.
قال الشيخ: ولا يُتَصَوَّر ما قال؛ لأنَّ قوله: {ودخل جَنَّته} إخبارٌ من الله تعالى بأنَّ هذا الكافرَ دَخَلَ جَنَّته فلابد أَنْ قَصَدَ في الإِخبار أنَّه دَخَلَ إحدى جنتيه إذ لا يمكن أَنْ يَدْخُلَهما معًا في وقتٍ واحد:. قلت: ومتى أدَّعَى دخولهما في وقتٍ واحدٍ يُلْزِمَه بهذا المستحيل في البداية. وأمَّا قوله: ولم يَقْصِدِ الجنتين ولا واحدةً معناه لم يَقْصِدْ تعيينَ مفردٍ ولا مثنى لا أنه لم يَقْصِدْ الإِخبارَ بالدخول.
وقال أبو البقاء: إنما أفْرَدَ لأنهما جميعًا مِلْكُه فصارا كالشيء الواحد.
قوله: {وهو ظالمٌ} حالٌ مِنْ فاعل {دَخَلَ}، و{لنفسِه} مفعولُ {ظالمٌ} واللام مزيدةٌ فيه لكونِ العامل فرعًا.
{قال له صاحبُه} يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا من الضميرِ في {ظالم}، أي: وهو ظالمٌ في حالِ كونِه قائلًا، ويجوز أن يكونَ مستأنفًا بيانًا لسبب الظلمِ، وهو الأحسن.
قوله: {أَنْ تبيد}، أي: تَهْلَكَ، قال:
3162- فَلَئِنْ باد أهلُه ** لبِما كان يُوْهَلُ

ويقال: باد يبيدُ بُيُودًا وبَيْدٌودة، مثل كَيْنُونة والعملُ فيها معروفٌ وهو أنه حُذِفَت إحدى الياءين، ووزنُها فَيْعَلُولة.
{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}.
قوله: {خَيْرًا مِّنْهَا}: قرأ أبو عمروٍ والكوفيون {منها} بالإِفراد نظرًا إلى أقربِ مذكورٍ، وهو قولُه: {جَنَّته} وهي في مصاحفِ العراق دونَ ميمٍ. والباقون: {منهما} بالتثنية نظرًا إلى الأصل في قوله: {جَنَّتَيْن} و{كِلْتَا الجنتين} ورُسِمَتْ في مصاحف الحرمين والشام بالميم، فكلُّ قد وافق رَسْمَ مصحفِه. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الأكل:
الأَكْل تناول المَطْعَم.
وعلى طريق التشبيه به يقال: أَكلت النارُ الحطب.
والأُكلْ- بالضمّ وبضمّتين- اسم لما يؤكل.
والأَكْلَة للمرة.
والأُكْلة- بالضمّ- اللُقمة.
وأَكِيلة الأَسد: فريسته.
وفلان ذو أَكْل من الزَّمان: ذو نصِيب وحَظّ.
واستوفى أُكلَه: كناية عن بلوغ الأَجل وأَكل فلانًا: اغتابه.
وقد ورد في نصّ القرآن على تسعة أَوجه.
الأَوّل: بمعنى الفواكه والثمرات {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا}.
الثانى: بمعنى تناول المطعم: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}.
الثالث: بمعنى الإِحراق: {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ}.
الرّابع: بمعنى الابتلاع: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} أي يبتلعنّ.
الخامس: بمعنى الإِبطال: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}.
السّادس: بمعنى الافتراس: {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} أي يفترسه.
السّابع: بمعنى الانتفاع بالمأْكول والمشروب والملبوس: {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا} {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
الثامن: بمعنى أَخْذ الأَموال بالباطل: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}.
التاسع: بمعنى الرّزق المأْكول: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أي لجاءَتهم الأَمطار من السّماءِ، والثمار من الأَرض.
وقد يعبّر بالأَكْل عن الفساد؛ {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} وتَأَكَّل الشئ: فسد، وأَصابه أُكال في رأْسه وتأَكّلٌ أي فساد.
وكذا في أَسنانه.
وهُمْ أَكَلة رأْس: عبارة عن ناس مِن قلَّتهم يُشبعهم رأسٌ مَشْوىّ. اهـ.

.تفسير الآيات (37- 41):

قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
فما قال له الآخر؟ فقيل: {قال له صاحبه وهو} أي والحال إن ذلك الصاحب {يحاوره} منكرًا عليه: {أكفرت}.
ولما كان كفره بإنكار البعث، دل عليه بقوله تعالى: {بالذي خلقك من تراب} بخلق أصلك {ثم من نطفة} متولدة من أغذية أصلها تراب {ثم سواك} بعد أن أولدك وطورك في أطوار النشأة {رجلًا} حيث نفيت إعادته لمن ابتدأ خلقهم على هذا الوجه تكذيبًا للرسل واستقصارًا للقدرة، ولم تثبت لها في الإعادة ما ثبت لها بعلمك في الابتداء، ثم لم تجوزها بعد القطع بالنفي إلا على سبيل الفرض بأداة الشك، وهي من دعائم أصول الدين الذي لا يقتنع فيه إلا بالقطع، ونسبته إلى العبث الذي لا يرضاه عاقل إذ جعلت غاية هذا الخلق البديع في هذا التطوير العظيم الموت الذي لو كان غاية كما زعمت- لفوّت على المطيع الثواب، وعلى العاصي العقاب.
ولما أنكر على صاحبه، أخبر عن اعتقاده بما يضاد اعتقاد صاحبه، فقال مؤكدًا لأجل إنكار صاحبه مستدركًا لأجل كفرانه: {لكنا} لكن أنا.
ولما كان سبحانه لا شيء أظهر منه ولا شيء أبطن منه، أشار إلى ذلك جميعًا بإضماره قبل الذكر فقال تعالى: {هو} أي الظاهر أتم ظهور فلا يخفى أصلًا، ويجوز أن يكون الضمير للذي خلقك {الله} أي المحيط بصفات الكمال {ربي} وحده، لم يحسن إليّ خلقًا ورزقًا أحد غيره، هذا اعتقادي في الماضي والحال {ولا أشرك بربي} المحسن إليّ في عبادتي {أحدًا} كما لم يشاركه في إحسانه إليّ أحد، فإن الكل خلقه وعبيده، وأنى يكون العبد شريكًا للرب! فإني لا أرى الغنى والفقر إلا منه، وأنت- لما اعتمدت على مالك- كنت مشركًا به.
ولما كان المؤمنون على طريق الأنبياء في إرادة الخير والإرشاد إلى سبيل النجاة وعدم الحقد على أحد بشر أسلفه وجهل قدمه، قال له مصرحًا بالتعليم بعد أن لوح له به فيما ذكره عن نفسه مما يجب عليه: {ولولا إذ} أي وهلا حين {دخلت جنتك قلت} ما يدل على تفويضك الأمر فيها وفي غيرها إلى الله تعالى كما تقدم الإرشاد إليه في آية {ولا تقولن لشي} [الكهف: 23] تاركًا للافتخار بها، ومستحضرًا لأن الذي وهبكها قادر على سلبك إياها ليقودك ذلك إلى التوحيد وعدم الشرك، فلا تفرح بها ولا بغيرها مما يفنى لأنه لا ينبغي الفرح إلا بما يؤمن عليه بالزوال {ما شاء الله} أي الذي له الأمر كله، كان، سواء كان حاضرًا أو ماضيًا أو مستقبلًا، ولذلك أعراها عن الجواب، لا ما يشاؤه غيره ولا يشاؤه هو سبحانه؛ ثم علل ذلك بقوله تعالى: {لا قوة} أي لأحد على بستان وغيره {إلا بالله} أي المتوحد بالكمال، فلا شريك له، وأفادت هذه الكلمة إثبات القوة لله وبراءة العبد منها، والتنبيه على أنه لا قدرة لأحد من الخلق إلا بتقديره، فلا يخاف من غيره، والتنبيه على فساد قول الفلاسفة في الطبائع من أنها مؤثرة بنفسها.
ولما قدم ما يجب عليه في نفسه منبهًا به لصاحبه، ثم ما يجب عليه من التصريح بالإرشاد في أسلوب مقرر أن الأمر كله لله، لا شيء لأحد غيره، أنتج قوله تعالى: {إن ترن} أي أيها المفتخر بما له عليّ! {أنا} ولما ذكر ضمير الفصل، ذكر مفعول ترى الثاني فقال: {أقل منك} وميز القليل بقوله: {مالًا وولدًا} أي من جهة المال والولد الذي هو أعز نفر الإنسان.
ولما أقر هذا المؤمن بالعجز والافتقار، في نظير ما أبدى الكافر من التقوى والافتخار، سبب عن ذلك ما جرت به العادة في كل جزاء، داعيًا بصورة التوقع فقال تعالى: {فعسى ربي} المحسن إليّ {أن يؤتين} من خزائن رزقه {خيرًا من جنتك} فيحسن إليّ بالغنى كما أحسن إليّ بالفقر المقترن بالتوحيد، المنتج للسعادة {ويرسل عليها} أي جنتك {حسبانًا} أي مرامي من الصواعق والبرد الشديد {من السماء}.
ولما كانت المصابحة بالمصيبة أنكى ما يكون، قال تعالى: {فتصبح} بعد كونها قرة للعين بما تهتز به من الأشجار والزروع {صعيدًا زلقًا} أي أرضًا يزلق عليها لملاستها باستئصال نباتها، فلا ينبت فيها نبات، ولا يثبت فيها قدم {أو يصبح ماؤها غورًا} وصف بالمصدر لأنه أبلغ {فلن تستطيع} أنت {له طلبًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم ذكر تعالى جواب المؤمن فقال جل جلاله: {قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} وفيه بحثان:
البحث الأول:
أن الإنسان الأول قال: {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} وهذا الثاني كفره حيث قال: {أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} وهذا يدل على أن الشاك في حصول البعث كافر.
البحث الثاني:
هذا الاستدلال يحتمل وجهين: الأول: يرجع إلى الطريقة المذكورة في القرآن وهو أنه تعالى لما قدر على الابتداء وجب أن يقدر على الإعادة فقوله: {خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} إشارة إلى خلق الإنسان في الابتداء.
الوجه الثاني:
أنه لما خلقك هكذا فلم يخلقك عبثًا، وإنما خلقك للعبودية وإذا خلقك لهذا المعنى وجب أن يحصل للمطيع ثواب وللمذنب عقاب وتقريره ما ذكرناه في سورة يس، ويدل على هذا الوجه قوله: {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} أي هيأك هيئة تعقل وتصلح للتكليف فهل يجوز في العقل مع هذه الحالة إهماله أمرك ثم قال المؤمن: {لَكُنَّا هُوَ الله رَبّي} وفيه بحثان:
البحث الأول:
قال أهل اللغة لكنا أصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فاجتمعت النونان فادغمت نون لكن في النون التي بعدها ومثله:
وتقلينني لكن إياك لا أقلى

أي لكن أنا لا أقليك وهو في قوله: {هُوَ الله رَبّى} ضمير الشأن وقوله: {الله رَبّى} جملة من المبتدأ والخبر واقعة في معرض الخبر لقوله: هو فإن قيل قوله: {لَكُنَّا} استدراك لماذا؟ قلنا لقوله: {أَكَفَرْتَ} كأنه قال لأخيه: أكفرت بالله لكني مؤمن موحد كما تقول زيد غائب لكن عمرو حاضر.
البحث الثاني:
قرأ ابن عامر ويعقوب الحضرمي ونافع في رواية: {لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى} في الوصل بالألف.